التنقل الجوي الحضري (UAM) كيف يساهم في تقليل ازدحام المدن وتحسين جودة الحياة؟

كابتن عبدالعزيز العقيل
October 1, 2024
5 min read

مع تزايد عدد سكان العالم المتوقع وصوله إلى 9.8 مليار نسمة بحلول عام 2050، وتوقعات بأن أكثر من 50% منهم سيعيشون في المناطق الحضرية، تصبح الحاجة إلى حلول نقل مبتكرة وفعّالة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. تعاني المدن الكبرى من ازدحامات مرورية خانقة تؤثر سلبًا على جودة الحياة وتساهم في تلوث الهواء الذي يرتبط بوفاة 3.7 مليون شخص سنويًا وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

التنقل الجوي الحضري (UAM) يبرز كحل ثوري لمعالجة هذه التحديات، مقدّمًا نظام نقل مستدام وسريع يقلل من الازدحام والتلوث، ويعزز كفاءة التنقل في المدن الحديثة. في هذه المقالة، سنستكشف مفهوم UAM ومكوناته الأساسية وكيفية مساهمته في تشكيل مستقبل النقل الحضري.

ما هو التنقل الجوي الحضري (UAM)؟

التنقل الجوي الحضري هو نظام نقل جوي مبتكر يستخدم مركبات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOL) لنقل الركاب والبضائع عبر المناطق الحضرية والضواحي. تتميز هذه المركبات بكونها صديقة للبيئة مع انبعاثات منخفضة جدًا ومستويات ضوضاء محدودة، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لتحقيق بيئات حضرية أنظف وأكثر هدوءًا.

مكونات البنية التحتية لنظام UAM

يستند نجاح نظام UAM إلى بنية تحتية متكاملة تتكون من ثلاثة مكونات رئيسية مترابطة:

1. البنية التحتية المادية

تشمل البنية التحتية المادية العناصر التالية:

مرافئ الطائرات العمودية (Vertiports)

تُعد مرافئ الطائرات العمودية عنصرًا أساسيًا في نظام UAM، حيث من المتوقع دمجها داخل المدن والمناطق الحضرية والضواحي وحتى المناطق الريفية. يتكون التصميم الأساسي لمرفأ الطائرات العمودية من:

  • مهبط (TLOF): منطقة مُعبدة تتحمل الأحمال بطول وعرض لا يقل عن 50 قدمًا، مصممة خصيصًا لعمليات الهبوط والإقلاع.
  • منطقة الاقتراب النهائي والإقلاع (FATO): منطقة يُكمل فيها الطيارون المرحلة الأخيرة من الاقتراب ويبدأون عملية الإقلاع، ويجب أن تكون ضعف أبعاد الطائرة العمودية على الأقل، وبعرض لا يقل عن 100 قدم وطول 200 قدم.
  • منطقة الأمان: تحيط بـ FATO لتقليل مخاطر الأضرار في حال حدوث انحراف غير مقصود، وتكون نصف أبعاد الطائرة العمودية على الأقل، وبعرض لا يقل عن 30 قدمًا.
  • التجهيزات الإضافية: تشمل العلامات والإضاءة والوسائل البصرية ومقاييس الرياح لضمان عمليات آمنة وفعّالة.

مركبات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOL)

تم تصميم مركبات eVTOL لتكون:

  • صديقة للبيئة: تعمل بالكهرباء مما يقلل من الانبعاثات الضارة.
  • منخفضة الضوضاء: تصدر ضوضاء أقل من 65 ديسيبل أثناء الإقلاع والهبوط.
  • فعّالة وآمنة: تحلق على ارتفاعات تتراوح بين 500 إلى 5000 قدم فوق سطح الأرض لتجنب العقبات وضمان سلامة الرحلات.

تصنيف المجال الجوي

يتم تصنيف المجال الجوي لنظام UAM بشكل يشبه "كعكة الزفاف المقلوبة" ويتكون من ثلاث طبقات:

  • الطبقة السفلية: تضم مناطق TLOF وFATO ودوائر الانتظار ودائرة القرار.
  • الطبقة الوسطى: مخصصة لتصميم الممرات والمسارات لضمان كفاءة وأمان التنقل فوق المناطق الحضرية.
  • الطبقة العليا: مخصصة لعمليات الطيران الرئيسية، حيث تُوفر مسافات أمان عمودية وأفقية وطولية بين المركبات.

2. البنية التحتية الرقمية

  • القواعد واللوائح: يجب أن تتوافق عمليات UAM مع لوائح سلطات الطيران لضمان السلامة والامتثال.

تشمل البنية التحتية الرقمية العناصر التالية:

  • إدارة حركة المرور الجوية (ATM): تضمن تنظيم وتنسيق حركة المركبات الجوية لتجنب التصادمات وتحقيق كفاءة عالية في التنقل.
  • أنظمة الاتصالات والملاحة والمراقبة (CNS): تُمكّن من التواصل المستمر وتتبع حركة المركبات بدقة، مما يساهم في تعزيز السلامة والأمان في الأجواء المزدحمة.

3. البنية التحتية البشرية

تشمل هذه البنية:

  • الكوادر البشرية المدربة من طيارين وفنيين ومشغلين مدربين على أحدث التقنيات والمعايير لضمان تشغيل سلس وآمن للنظام.
  • توعية المجتمع و تثقيف الجمهور حول فوائد واستخدامات نظام UAM لتعزيز قبول المجتمع ودعمه لهذه التكنولوجيا الجديدة.

أهمية البنية التحتية البشرية في نجاح عمليات UAM

تشكل البنية التحتية البشرية عنصرًا حيويًا لنجاح عمليات التنقل الجوي الحضري (UAM). يقوم مراقبو الحركة الجوية (ATC) بإدارة جميع الأذونات الجوية بالتنسيق مع الطيارين الذين يتبعون إجراءات التشغيل القياسية (SOPs) لضمان سلامة الرحلات. المشرفون على الرحلات مسؤولون عن تخطيط مسارات الطيران، وتقديم تقارير الطقس، وتوزيع جميع الإخطارات الضرورية للطيران (NOTAMs).

إلى جانب ذلك، تعمل فرق الصيانة على تفتيش الطائرات وإصلاحها وشحنها لضمان جاهزيتها. كما توفر فرق خدمات العملاء الدعم الشامل للركاب، من حجز الرحلات إلى تقديم المعلومات المتعلقة بالجدولة ورعاية العملاء. أما العاملون على الأرض، فيلعبون دورًا مهمًا في توجيه الركاب داخل وخارج البوابات، وتحميل وتفريغ البضائع، وإدارة جميع العمليات الأرضية الأخرى. لضمان السلامة، يجب أن يكون هناك فريق استجابة للطوارئ أو قسم إنقاذ حرائق داخل نطاق مرفأ الطائرات العمودية.

تأثير تصميم وموقع المطارات العمودية على فعالية UAM

يُعد تصميم وموقع المطارات العمودية (Vertiports) العامل الأكثر أهمية في عمليات التنقل الجوي الحضري (UAM). ينبغي أن تكون هذه المطارات سهلة الوصول لجميع السكان وموجودة في مناطق رئيسية مثل وسط المدينة، مراكز الأعمال، مراكز التسوق، ومرافق النقل الأخرى مثل محطات المترو أو الحافلات. هذا التكامل يساعد في تعزيز دمج التنقل الجوي الحضري مع باقي شبكات النقل.

بالإضافة إلى ذلك، يتطلب تشغيل الطائرات الكهربائية (eVTOL) شحنًا مكثفًا، مما يفرض ضرورة ترقية البنية التحتية الكهربائية واستخدام الطاقة المتجددة لتلبية هذه الاحتياجات دون تحميل الشبكة الكهربائية أعباء إضافية. كما يلعب التصميم القابل للتوسع للمطارات العمودية دورًا كبيرًا في تقليل التكاليف الأولية وتوفير المرونة اللازمة للتوسع مع زيادة الطلب في المستقبل.

على سبيل المثال، يعد مطار دبي الدولي نموذجًا يحتذى به في تصميم المطارات العمودية القابلة للتوسع، حيث يتماشى مع استراتيجية ثلاثية المراحل تستهدف تلبية الطلب السياحي المتزايد في المدينة.

IMG_0701.PNG

العوامل البيئية والجغرافية وتأثيرها على عمليات UAM

يتطلب نجاح عمليات التنقل الجوي الحضري دمج الطائرات الكهربائية ضمن المجال الجوي الحضري مع الطائرات الهليكوبتر والطائرات التجارية القائمة، مع مراعاة إدارة المجال الجوي والقوانين التنظيمية. نظرًا لأن الطائرات الكهربائية تعمل على ارتفاعات منخفضة، فإن تأثير المناطق المحيطة مثل الميزات الجغرافية وناطحات السحاب يجب أن يؤخذ في الاعتبار لضمان سلامة العمليات الجوية. على سبيل المثال، قد تؤدي المباني العالية إلى تغييرات في اتجاه الرياح مما يؤثر على سلاسة الطيران.

التكيف مع القوانين واللوائح الحالية والمستقبلية

من أجل تسهيل عمليات التنقل الجوي الحضري، تم تعديل العديد من القواعد واللوائح من قبل الجهات التنظيمية مثل إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) ووكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA). رغم وجود بعض الفروقات الطفيفة بين هذه اللوائح، مثل اعتماد FAA على المسؤولية الفردية بينما تعتمد EASA على المنظمات، إلا أن الهدف المشترك هو ضمان سلامة العمليات. في المرحلة الانتقالية، ستعمل الطائرات الكهربائية بموجب قواعد الطيران البصري (VFR) وقواعد الطيران بالأجهزة (IFR) حتى يتم تطوير قواعد مخصصة لعمليات UAM.

تأثير الظروف الجوية والتنبؤ بالطقس على عمليات UAM

إدارة الظروف الجوية تشكل تحديًا كبيرًا لعمليات التنقل الجوي الحضري، خاصة بسبب خفة وزن الطائرات الكهربائية وعمليات الطيران المنخفضة. تؤثر الظواهر الجوية مثل الانقلاب الحراري على سلاسة الطيران، ويمكن استخدامها لتحديد الارتفاع الأنسب للطيران. ومع ذلك، يرتبط الانقلاب الحراري أيضًا بانخفاض الرؤية، مما يتطلب من الطيارين التنبؤ بالطقس بدقة لتجنب الظروف الجوية السيئة وضمان رحلات سلسة وآمنة.

التحول نحو الطائرات بدون طيار وتحديات الأمن السيبراني

مع التوقعات بزيادة النقص العالمي في الطيارين إلى 70% بحلول عام 2037، ستشهد عمليات التنقل الجوي الحضري تحولًا نحو الطائرات التي يقودها مشغل واحد عن بعد، مما يتطلب تأمين كبير للعمليات ضد التهديدات السيبرانية. يعد هذا التحول خطوة مهمة في تطوير التكنولوجيا وتعزيز كفاءة العمليات، ولكنه يضيف تحديات جديدة فيما يتعلق بالأمان والخصوصية.

التخفيف من تأثير الضوضاء والحفاظ على جودة الحياة

من الضروري أن تلتزم عمليات التنقل الجوي الحضري بقوانين وإجراءات تخفيف الضوضاء التي فرضتها الجهات التنظيمية مثل FAA. يشمل ذلك تصميم المطارات العمودية والبنية التحتية للطائرات، بالإضافة إلى أوقات حظر الطيران التي تحافظ على راحة السكان. من خلال تطبيق هذه الإجراءات، يمكن تقليل الضوضاء الناتجة عن الطيران والحفاظ على جودة الحياة في المناطق الحضرية.

أهمية إشراك المجتمع في دعم عمليات UAM

لضمان نجاح التنقل الجوي الحضري، يجب أن يتم إشراك المجتمع في عمليات التخطيط والتنفيذ. يمكن تحقيق ذلك من خلال دعوة السكان للمشاركة في استشعار الضوضاء باستخدام تطبيقات الهواتف الذكية، مما يعزز من قبول المجتمع لهذه التقنية الجديدة ويزيد من فرص نجاحها.

تعد عمليات التنقل الجوي الحضري (UAM) خطوة هامة نحو تطوير بنية تحتية مستقبلية أكثر فعالية وكفاءة في البيئات الحضرية. من الضروري أن تُؤخذ في الاعتبار جميع العوامل البيئية والاجتماعية المرتبطة بهذه العمليات، بما في ذلك تأثيرات الطائرات الكهربائية على جودة الحياة، إدارة الضوضاء، وتحديات الطقس. يُظهر تحليلنا للمكونات المختلفة للمطارات العمودية كيف يمكن أن تؤثر على البيئة والمجتمع بشكل كبير، مما يتطلب تخطيطاً دقيقاً وتدابير فعالة للتخفيف من التأثيرات السلبية. من خلال فهم هذه التحديات وإدارتها بشكل مناسب، يمكننا أن نضمن أن التنقل الجوي الحضري يصبح جزءًا مدمجاً وفعّالاً في الحياة الحضرية المستقبلية.

هل ترغب في معرفة المزيد عن كيفية تحسين عمليات التنقل الجوي الحضري (UAM) والتخفيف من تأثيراتها البيئية والاجتماعية؟

تابعنا للحصول على أحدث المقالات والتحديثات حول تطورات UAM!

 لا تتردد في الاتصال بنا أو مشاركة أفكارك.

كابتن عبدالعزيز العقيل
October 1, 2024
5 دقائق قراءة
ملتقى طيران العرب الأسبوعي

تواصل معنا

نحن هنا للإجابة على أسئلتكم وتقديم الدعم اللازم.
Check - Elements Webflow Library - BRIX Templates

شكراً لك

شكراً لتواصلك معنا, سنرد عليك بأقرب وقت ممكن
Oops! Something went wrong while submitting the form.